الحلقة السادسة : الفتى الشبيه بالنسوة

أسرع الثلاثة معًا نحو غرفة هيروشي ، توقفوا لحظة في منتصف الطريق ، استدارت هي يونغ نحو هيروشي الذي أخذ يرتجف ويتصبب عرقًا

– مابكَ….ألن تأتي معنا ؟
– لا أستطيــع….اذهبا وحدكما


أومآ رأسهما ايجابيا ثم أكملا سيرهما .. ولم يشعرا بهيروشي وهو يتبعهما ..تقدم هيو بهدوء رتيب، فسمع صوت ضجيج يبدوا كأنه شخص يعبث بأثاث الغرفة …أدار مقبض الباب …ثم دفعه بقوة لينفتح على مصراعيه …وتظهر أمامهما تلك المخلوقة ذات القامة الممشوقة و الشعر الأسود الفاحم… تقف في شموخ وأنفة ، كانت ترتدي فستانا أسود ضيقًا مصنوعًا من الفروِ الخفيف ، وعقدًا مرصعًا بثلاث جواهر تتدلى بخفة من عنقها ، وقفت بصمت ولم تهتم بمن حولها ، فجأة نظرت نحو هيو بلا مبالاة ، التقت عينيها بعينيه ، لقد كانت عيناها واسعة تطوقهما خيمة من الرموش الكثيفة زادتها تألقا أما بؤبؤهما فقد تدرج بهما اللون الأزرق والأخضر ليصنع مزيجا رائعا من اللونين يصعب على العقل إدراكه
وقفا الاثنان بجمود ، يحدقان إلى تلكَ الفاتنة، وما هي إلا ثواني حتى قطع جو الصمت صوت هيروشي المتقطع من خلفهما


– هلــ…..ذهـــ…بت ….تلك ….المتوحشــة…..لقـــ..د كانــت ست…قتلني…من دونِ شك
التفتا الاثنان إليه ثم نظر إلى وجه بعضهما لينفجرا ضحكًا


— لا تقل لي أنكَ أيقظتنا في منتصف الليل لتخبرنا أن هناك قطة بحجم راحة اليد…تلعب في غرفتكَ
— قطة بحجم راحة اليد…إنها قطة شريرة….وكادت تقتلني…إياكَ وأن يخدعك حجمها يا هيو
— يالكَ من جبان يا هيروشي…أجزم أن رفسة منا كافية بأن تسحق عظامها الصغيرة


مشت هي يونغ بهدوء نحو تلكَ القطة الصغيرة التي وقفت في زاوية الغرفة وكل الخوف يتملكها ، انحت على بعد خطوات منها وبسطت كفها بابتسامة هادئة في محاولة استلطافها والمفاجأة أن ذلك المخلوق الصغير ألقى بنفسه في حضن هي يونغ لتحمله بين ذراعيها وتتجه به ناحية هيروشي

–أبعده عنّي أيها الغبي…إياكَ أن تقترب
–هيَّا يا هيروشي إنها مجرد قطة صغيرة….أنظر إليها
–قلت لكَ أبعد عنَّي ذلكَ الشرس وإلا….

لم يتمالك هيروشي نفسه بعد أن قربت هي يونغ القطة من وجهه ، فسقط مغشيًا عليه ، أما القطة فقد قفزت من بين يدي هي يونغ ، وقفت على قدميها ثم قوست ظهرها وأخذت تموء بغضب مما جعل هيروشي يستعيد وعيه على صوتِ مواءِ القطة الذي علا ليشمل أرجاء الغرفة …بعد لحظات توقفت القطة عن المواء ثم بحركة سريعة ركضت نحو باب الغرفة واختفت عنِ الأنظار


–يالكَ من جبانٍ حقًا يا هيروشي …كيف تخاف من هذا المخلوق الضعيف
–أصمت يا هيو أنتَ لا تعرف شيئا…القطط حيوانات شريرة…أنا أكرهها…أكرهها
–حسنًا…حسنًا…على كل أنا ذاهب لأنام….هيا يا هيو إنها الثالثة إلا ربعٍ صباحًا وأمامنا يومٌ شاق من التدريبات
–معكَ حق يا داي …تصبح على خير هيروشي…أرجوا أن لا توقظنا مرة أخرى إن رأيت فئرانا
— أنتما هل ستتركانِ هنا…ماذا لو عادت تلكَ المتوحشة…
— لن تعودَ مجددا بعد أن رأتْ وجهك القبيح….ثم حتى وإن عادت ..فاقفز من النافذة كما فعلت مسبقا…لكن لا تأتي إلينا
–أيها الغبيين …
::::::::

تسللت أشعة الشمس الدافئة من خلال النافذة لتلقي بأشعتها على ذلك الجسد الممد على السرير ، فتحت عينيها بصعوبة ، ألفت نظرة خاطفة على ساعة يدها التي تشير إلى السادسة ونصف صباحًا ،أغمضت عينيها ثم عادت للنوم ، وبعد ثواني قليلة انتفضت من سريرها واتسعت عينيها بشدة وهي تعيد النظر إلى الساعة ثم نهضت وهي تصرخ
— ياإلهي…تأخرت…تأخرت …لاشكَ أنني سأعاقب مجددًا
بدأت تتحرك في أرجاء الغرفة بسرعة جنونية ، كانت تدور في حلقة مفرغة تلتقط ذاك وترمي بالآخر …وبالأخير استطاعت أن تنتقي ثيابها…كادت أن تهم بالخروج لولا أن لفت انتباهها هيو الذي مازال نائمًا…يغط في الشخير أخذت تنهيدة طويلة ثم اتجهت إليه وأخذت تصرخ في أذنيه
–أستيقظ هيو…..لقد تأخرنا….استيقظ…أيها الغبي….ستأخرني
فتحَ هيو عينيه بتثاقل وآثار النوم لازالت بادية عليها
–لِمرة واحدة….ألا يمكنكَ أن تتحدث بصوتٍ منخفض…
نظر إلى الساعة المعلقة على جدار الغرفة
–ثم….لازال الوقتُ باكرًا…
وعاد يكمل نومه
–أنتَ من جنيت على نفسك….لقد أيقظتك….ولكنكَ لم تستجبْ لي….على كل سأخرج….فلا أريد أن أسجن في تلكَ الساحة مجددًا
خرجت هي يونغ واتجهت إلى دورة المياه لترتدي ملابسها ،وبعد لحظات خرجت تركض بكل سرعتها ووطئ خطواتها يسمع من بعيد …
–عليَّ أن أسرع ..سأعاقب مرة أخرى…لماذا حظيَ سيء
توقفت قليلًا لتلتقط أنفاسها…ثم عادت لتكمل ركضها ، لكنها سرعان ما اصطدمت بشخص ما
تحسست رأسها بألم وأنزلته إلى الأسفل
–مؤلم…مؤلم …مؤلم….يا إلهي …هل اصطدمت بجدار حديدي أم ماذا ؟
نظرت إلى الأعلى بغضب لترى شخصا ينظر إليها بصدمة وعيناه تشع استغرابا
–أنتَ ذلك الفتى الجديد ….السيد داي هو….أليس كذلك ؟
أطرقت رأسها بخجل ثم أجابت
–أأأأجل…أأأنا آسف أيها الرقيب….لم أنتبه لخطواتي….
–….ماذا تفعل في مثل هذا الوقت
–أنا…أنا….أرجوكَ…أي عقابٍ آخر…إلا ساحة التعذيب
ازداد استغراب الرقيب
–عن أي عقاب تتحدث أيها الفتى
–هاه….؟
ساد الصمت لحظات ، ثم قال بهدوء
–يبدو أنكَ استيقظتَ باكرًا..لاشكَ أنكَ متحمس للتدريبات
–هيه…ولكنها السادسة ونصف صباحًا …
–هل أنتَ متأكد …انظر إلى ساعتكَ مجددًا
ألقت هي يونغ نظرة على ساعتها فإذا بها الخامسة وربع صباحًا
علا وجهها حمرة خفيفة فاعتدلت في وقفتها ، ثم وضعت يدها خلف رقبتها و ابتسمت بغباء
–ظننتها السادسة ونصف صباحًا ….حسنًا سأعود إلى غرفتي إلى أن يحين الوقتْ…
تنهد بهدوء ثم قال
–ذلكَ الطفل….أحمق بالكامل
أخذت تسير بخطى بطيئة متجهة إلى غرفتها …أوقف سيرها صوت موسيقى هادئة متناغمة أصدرها هاتفها ، امتدت يدها إلى جيب بنطالها الأخضر ، أخرجت هاتفا ذو لون اسود ، وضغطت على أحد أزراره
–يوبوسيو منِ المتكلم .؟
هي يونغ أيتها الخنفساء المتهورة وأخيرًا سمعتُ صوتكِ
من شين هو…. وااااااااه … اشتقتُ إليــكِ كثيـــرًا
وأنا أكثر…أخبريني كيفَ هي أحوالكِ ….لقد مرتـ ثلاثة أشهر ولم أتلقى منكِ أي رسالة
– — أنا بخير.. لازلتُ أتنفس …آسفة عزيزتي التدريبات هنا جد قاسية ولم أجد الوقت لكتابة أي رسالة أو الاتصال بكم…. طمئنيني عن أحوالكِ .وأحوال عمي وجدي…اشتقتُ إليكم كثيرًا
أنا بخير…وكذلك عمك إنه سعيد في عمله الجديد…لقد تحققت أمنيته بأن يصبحَ عالما للآثار
لا…مستحيل…. لا أصدقك
بل صدقيني….كلما التقيت به أجده يمسك عظامًا بين يديه
هههههه…إنه يعشق كل ما يتعلق بالتاريخ
أجل…وأنا أكره أن أرى العظام…. خصوصًا إن كانت……. بشرية
– وجدي كيف هي أحواله ؟
– إنه بأفضل حال..لقد بدأت صحته في تحسن
– حقًا الحمد لله
– هي يونغ لماذا تتحدثين بصوتٍ منخفض…أكاد لا أسمع صوتك
– شششش…لكي لا يكتشفني أحد أيتها الذكية وأنا أكلمك …
– آه هكذا إذا…..مممم هل تصدقين لقد سمعت أن المغني هيو قد التحق بالخدمة العسكرية…إذا كان حظك جيد قد تلتقيه
– لقد التقيته
– ماذا…ماذا…أحقًا…كيف يبدو….أما زال وسيمًا….هل يتدرب جيدًا… هل يأكل جيدًا
– مابكِ…يا فتاة…أكل هذا إعجاب .؟
– تعلمين جيدًا أنني من أشد المعجباتِ به
– في الواقع إنه صديقي….وشريكي بالغرفة
– لا….مستحيل…أنتِ تكذبين
– ولما أكذب…بل حتى أننا نتحدث كثيرًا…وهو أقرب صديق لي هنا
– يا لحظكِ يا فتاة… أنا أحسدك …آه تذكرت دعينا الآن من أمر هيو وأخبريني عنكِ…كيف تجري أموركِ مع شانغ هو …هل اعترفتِ له
– لم أستطع ذلك… أنا الآن أتحدث معه بشكل عادي…كمجرد زميل في الجيش
– أيتها الغبية ….إلى متى ستبقين صامتة ..إلى أن تأتي إحدى الفتيات وتخطفه منكِ
– وماذا أفعل …هل أذهب إليه…وأقول له…هيه شانغ هو …أنا أدعى هي يونغ….وتنكرت كفتى….لأدخل إلى الخدمة العسكرية وألتقيك .هاه هل هذا ما أفعله ايتها المتحذلقة
– لا..أنا لم أقل ذلك….ولكن تقربي منه حتى تكسبين قلبه….وعندها يمكنكِ أن تخبريه
– حسنا…حسنًا…سأحاول
– هي يونغ أخبريني متى ستغادرين ذلك المكان …اشتقت لرؤيتك
– إنه ليس مكان أيتها البلهاء…بل هي كلية عسكرية…..كلية عسكرية هل سمعتِ
– لايهم…كلية أو مدرسة أو حتى مستشفى…المهم متى ستعودين
– ممممم سمعتُ أن هناكَ بعض الإجازات تمكننا من زيارة أهالينا…لكنني لا أعلم متى بالضبط
– على كل علي أن أذهب الآن….لدي بعض الأعمال يجب علي أن أنجزها…أراكِ لاحقا
– حسنًا…إلى اللقاء
أغلقت هاتفها المحمول ..واتكأت على جدار إسمنتي ليتسلل برده إلى أطراف ملابسها ، تنهدت بقوة ثم أغلقت عينيها ..فتحتهما قليلا …لتتوسعا في ذهول عندما رأت ذلك الشخص الواقف أمامها… ذو الوجه الشاحب والعينين البنيتين الواسعتين
انتفضت من مكانها ثم قالت بصوتٍ مرتجف
–يا….مـ..نذ متى وأنـ..تَ هـ…نا
نظر إليها نظرة تفحص جعلت قلبها يتراقص رعبًا.، أحست كأنَّ هالة سوداء شديدة الظلام تحيط به بشكل رهيب … تنهد بعمق وقال
–ستتأخر على الفطور….أيها ….الفتى
داخل الكافتيريا، كانت هي يونغ قد أنهت طبقها العاشر بكل إتقان…وقف بجانبها رجلان أحدهما رجل مسنٌ كسا الشيب رأسه وحفرت السنون أخاديدها على جبينه ، ورسمت الأيام خطوطها السوداء وتجاعيدها الواهية على وجنتيه ، أما الثاني فيبدوا أنه في منتصف عقده الرابع عريض المنكبين وذو شارب كثيف وعينين حادتين.. كانا ينظران لهي يونغ برعبٍ وهي تأكل بسرعة تقضي على طبق تلوَ الآخر..أما المتدربين فقد توسعتْ أفواههم في ذهول
ابتسم العجوز ابتسامة عريضة ثم ضرب ظهر هي يونغ ممازحا وقال بمرح
–تبدو قويًا يا بني لتأكل كل هذه الأطباق في خمسِ دقائق
نظرتْ هي يونغ إلى العجوز وابتسمت له بينما لازال فمها مكسواً بالطعام ،ثم عادت لتكمل صحنها ،وعندما انتهت مسحت فمها بظهر يدها وهي تقول :
–وجبة شهية…وجبة شهية ….هل يمكنني الحصول على طبقٍ..آخـــ
صرخ الرجل الثاني بغضب
–أيها الغبي ألم تشبع بعد…ستصيب الكافتيريا بالفقر …إن استمريت بالأكل بهذه الطريقة….ولن يجد المتدربين ما يأكلوا بسببكَ أيها الأحمق
انصعقت هي يونغ من شدة الصرخة …ثم نظرت للأسفل لتتأكد أن قلبها لم يسقط من مكانه
–أوووه..الحمد لله ما زلتُ على قيد الحياة …حسنًا….أظنني سأبلي جيدًا في التدريباتِ بعد هذا الطعام الشهي
–يـــا…ألمْ تسمع ما كنتُ أقوله…..يجبُ عليكَ أن تدفعَ ما أكلته
ابتسمت هي يونغ بتفهم ثم قالتْ —آآآآه … بالنسبة للأطباق التي أكلتها
تحولت ملامح الرجل إلى وداعةٍ ظريفة وهو يقول متضاحكًا

–علمتُ انكَ ستتفهم الأمر.كم ستدفع ؟
وضعتْ سبابتها على فمها ثم قالت بهدوء في الحقيقة…..
فرك الرجل يديه في حبور ثم قال
كم …كم ؟
— أنا لا أملك المال حاليًا
كانت عبارتها الأخيرة كافية…لتجعل الكافتيريا تغرق في ضحكاتِ المتدربين التي عمتِ القاعة
–ماذا….أيهــ…ا أيهــ…ا اللعين… الشبيه ُ بالنساء أتريد أن تصيبني بسكتةٍ قلبية
أجابته هي يونغ بإحباط

أنا حقًا…ليس لدي المال حاليًا…
ابتسم الرجل بمكر ثم قال — إذا لم تكن قادرًا على دفع النقود …إذا فسيتوجبُ عليكَ أن تنظف الساحة — اليوم…عقابًا لكَ
–ولكن…ولكن…التدريباتْ ستبدأ بعد قليل..ولا أريد أن أفوتها عليَُّ
–أنتَ حر في اختياركَ…إما أن تدفع….أو تنظف الساحة
–حسنًا…موافق
بعد انتهاء الفطور كان على هي يونغ أن تغسل بعض الأطباق ليسَ عقابًا وإنما مساعدة منها لذلك الرجل العجوز
–حسنًا…لقد انتهيت…سأذهبُ الآن ما زالَ أمامي عمل آخر علي أن أنجزه
–أشكركَ يا بني على مساعدتكَ لي….لن أنسى صنيعكَ هذا
–لا تقلْ ذلك يا جدي….ثم رجل في مثلِ سنكَ يحتاج أن يرتاح من وقتٍ لآخر وأن لا يتعبَ نفسه…حسنًا ….سأذهب الآن أراكَ لاحقًا
—إلى اللقاء..
:::::::::::
في طريقها إلى ساحة التدريب …مرت بممر ضيق يوصلُ إلى الساحة مباشرة ، فكانت المفاجأة أن شاهدت مجموعة من الشبان يحيطون بأحد الفتية…. قالَ زعيم تلكَ المجموعة بعد أن ابتسم ابتسامة واسعة تكاد لا تخلو من المكر والخداع
—-إنها نهايتكَ…يا…مون شيك
أشار بأصبعه إلى أحدِ تابعيه ،وكان شابًا نحيفًا ، له ملامح أشبه بالقنفذ
تقدم ذلك النحيل وأمسكَ بغطاء حديدي يعود لسلة القمامة التي كانت بجانبه ، وبحركة سريعة رماه مباشرة نحو رأس ذلك الفتى ليتفاداه بكل خفة ويطير بعيدًا ليستقر فوق رأس ذلك الشخص الذي اكتفى بالوقوف دونَ حراكٍ
الفتى النحيل : —أيقوووو يبدو أني أخطأت الهدف..لاشكَ أنه مؤلم
أحد أفراد المجموعة : —معكَ حق فذلك الفتى الشبيه بالنسوة لم يتحركْ أبدًا
زعيم المجموعة :–أحسنتَ يا مين وو لقد أصبتَ فتى ضعيفًا
وبينما كان الجميع ينتظرونَ ردة فعل ذلك الشخص
صرخ بشدة — آآآآآه إنه مؤلم
أمسك رأسه بشدة وبدأ يصرخ– إنه مؤلم….مؤلم…مؤلم
لم يكن ذلك الشخص سوى هي يونغ المسكينة التي توقفت عنِ الصراخ بعد أن تذكرت شيئا مهما
–يإلهي الساحة….سأعاقب مرة أخرى …
ثم أخذت تركض متناسية أمر الضربة ، وقف أفراد المجموعة في دهشة من تصرف ذلك الفتى ، التفتَ الزعيم ليجد ذلك الشخص الذي كان محاصراً من طرفهم قد اختفى ولم يعد له أثر
–ذلكَ الشبح…أين ذهب
–لا بد أنه هرب….بعد أن غفلنا عنه
في ساحة التدريب وقفت هي يونغ تلتقط أنفاسها بصعوبة ، رفعت رأسها وهتفت بسعادة
–لقد وصلتُ قبلَ أن تبدأ التدريبات…مباركٌ لي

في مكان آخر

وقفت تلكَ السيارة الفارهة السوداء أمام بوابة شاهقة الارتفاع أشبه بأبوابِ القرون الوسطى …تقدم أحدُ الخدم وفتح بابَ السيارة ليخرج منها شاب فارع الطول ، عريض المنكبين ،يحيط به رجال أمنٍ ببدل سوداء
تقدم منه رجل في عقده الثالث وقد بدا على مظهره الراقي المرتب أنه شخصية هامة ، عدل نظارته ليقول بصوتٍ هادئ
–سيد دونغ مين….السيد جونغ شين ينتظرك في مكتبه
تجاهل دونغ مين كلامه وأكمل سيره عبر طريق ضيق حفته الأزهار من كلا الجانبين وظهر في نهايته باب المنزل الثاني
::::::::::::::::
في الكلية ، كانت تدريبات الرماية قد بدأت تحت إشراف الرقيب هيتشول ، الذي قسم المتدربين إلى أربع مجموعاتٍ حسب أوضاع الرماية الصحيحة وهي الانبطاح … الوقوف…الجلوس …الجلوس على الركبة
كلـ مجموعةٍ تكلفت بتطبيق وضع واحد للرماية…أما هي يونغ فكانتْ واقفة من بعيد تطبق تعليمات الرقيب بكل حذافيرها
بعد انتهاء التدريبات ، كانت هي يونغ قد انتهت أيضا من تنظيف الساحة ،ولحسن حظها أنَّها وجدت فقط بعض القمامة مما سهل عليها الأمر لتنتهي بسرعة ، سمعتْ صوتًا مألوفا قادمًا من بعيد
–هيه …داي هو….أينَ كنتَ أيها الفتى …لم أرك منذ الصباح
–أنا….كنتُ هنا….لقد عاقبني صاحب الكافتيريا بأن أنظف الساحة
–حقًا….يا لحظكَ يا صديقي…. لحظة ..لحظة …ماهذا الذي على جبينك…أيعقل أنهُ ……..دم
–ماذا…..دم …
وضعت هي يونغ يدها على جبينها لتتحسسها فشعرت بوخز خفيف
–أنتَ تهمل نفسكَ كثيرًا أيها الغبي ،
أمسكَ بيدها وأسرع بها نحو غرفتهما ، دخل الغرفة ثم أخذ يبحث بين حاجياته إلى أن أخرج صندوقًا أبيض متوسط الحجم رسمت عليه علامة حمراء ، وضع الصندوق فوق المنضدة وأخرج منه مطهرًا وكيس القطن ، اقترب منها ليطهر الجرح الذي على جبينيها لكنه قاطعته بهدوء
–لا بأس هيو إنه مجرد خدش صغير….لن يجعلني أنزف حتى الموت
–أصمت أيها الأحمق..ذاك الخدش الذي تراه صغيرًا…سيشوه وجهك الجميل…هيا دعني أطهره لكَ
جلست هي يونغ مستسلمة لعناد هيو الذي أصر أن يطهر جرحها ، قام بتنظيف الجرح بالمطهر ثم وضع عليه لاصقًا
–جيد….الآن يمكنني أن أقول أنكَ نجوتَ من الموت
–أنتَ حقًا أحمق….لقد قلت لكَ أنه مجرد خدش صغيرًا .لا يقتل
–هذه المرة خدش صغير ….مرة أخرى سيصبح جرح كبير….ليتحول فيما بعد إلى عاهة مستديمة إن استمريت في إهمال نفسك
::::::::::::::::
دخل إلى ممر طويل فرش بسجادة حمراء ذات خيوط ذهبية لامعة ، وعلى جانبه الأيسر تراصت العديد من الأبواب المزخرفة بشكل يذهب العقل ،فتحَ أحد الأبواب ليدخل إلى غرفة فسيحة يتوسطها سرير فاخر، وأثاث يدل على ذوق رفيع ، وأمام النافذة جلست تلك الفتاة الصغيرة ذات خمسِ سنوات التي ما سمعت صوتَ أقدام في الغرفة حتى التفت بسعادة وأسرعتَ باتجاه دون غمين
–هانا…. اشتاقت ….إلى أوبَا
نظر إليها ببرود ثم صرخ في وجهها
—ألمْ أقل لكِ ألا تدخلي إلى غرفتي من دون أن تستأذني مني
–ولكن..هانا…..تحب..مفاجأة …..أوبَا
–اخرجي من هنا….هيا….لا أريد أن أرى وجهكِ مجددًا
لقد كانت كلمات دون غمين الصارمة كافية .لتجعل الرعب يدب في قلب الصغيرة…التي خرجت ودموعها تنساب بحرقة على خديها الصغيرين ، أما دون غمين فألقى بجسده المتعب على السرير وأخذ يحدق إلى السقف في شرود
وما هي إلا ثواني حتى خرج من الغرفة ، واتجه نحو سلم كبير ذو تصميم مميز أبرز عن ذوق فنان مبدع ،وقف أمامَ أحد الأبواب الخشبية ، طرق طرقتين خفيفتين على الباب فأجابه صوتٌ رفيع حاد رصين
–تفضل
أدار دون غمين المقبض ودفع الباب ببطء ليظهر أمامه رجل في منتصف عقده السابع ذا شعر أشيب خفيف وعينين سوداوين تختفيان خلف نظارة طبية بدون إطار ، والتي لم تنجح في إخفاء بريق الذكاء والحكمة الذي يشع من عينينه النصف مغمضتين ، كان يجلس فوق مقعد بني من الجلد الفاخر الوثير وأمامه مكتب زجاجي فخم ، على يمينه طاولة تتوسطها فازه من البورسلان الفاخر مليئة بزهور الأوركيد البيضاء ، وخلفه نافذة تزينها الستائر الحريرية المقصبة
ويمتد تحتها سجاد منقوش فاخر
رفع الرجل عينيه ثم ابتسم ابتسامة هادئة وأشار لدون غمين بالجلوس على أحد الكراسي التي كانت قبالة المكتب
مرت لحظة عجيبة من الصمتِ بين الاثنين ، قطعها صوت العجوز المتنحنح
–أحم…..سمعتُ أنكَ تنوي البقاءَ في طوكيو
أجابه في هدوء
–أجل
–حسنًا … جيد
فتحَ الرجل العجوز أحد أدراج مكتبه وأخرج منها ملفًا ذو لونٍ أصفر ووضعه أمام دون غمين قائلًا برصانةٍ حازمة
–هذا….سيوضح سبب استدعائي لكَ
وفي حذر يحمل شيئًا من الهدوء ، التقط دون غمين الملف الذي وضعه جده أمامه ، فتحه ورأسه يحمل ألف سؤال على الأقل ، لتظهر له عبارة جعلته في دهشة
–الخدمة العسكرية

أضف تعليق